-A +A
نجيب يماني
لم تكن الإشارات التي أرسلها الأمير بندر بن سلطان، في لقائه مع قناة العربية حول القضية الفلسطينية؛ إلا مقدمة لجرد حساب طويل، بات ضروريًا ومهمًا في ظل «تطاول الصغار» على المملكة وقيادتها، ومناوشة مواقفها المبدئية والراسخة حيال القضية الفسلطينية، وإنكار بكل وقاحة وبجاحة ما قدمته المملكة من عون وسند لهذه القضية في كافة المحافل العالمية، أذكر ونحن طلبة صغار على مقاعد الدراسة كنّا ندفع ريال تبرع من مصروفنا اليومي عن طيب خاطر تذهب لفلسطين وقضيتها كواحدة من أبسط صور المشاركة لهذه القضية.

وقد آن الأوان أن يلقم المتطاولون حجرًا يسد أفواههم النتنة، ويعقد ألسنتهم الفاجرة الكذوبة.


وحسنًا فعل الأمير بندر خبير الدبلوماسية وهو يتوجّه إلى الميديا بمزيد من كشف المستور، وفضح المواقف الزائفة عبر نافذته في موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» من خلال «رأي بندر»، الذي نتوقع عبره بثّ خبايا ستكون مدهشة، وأسرار فاضحة، وحقائق مذهلة، سيكون لها ما بعدها، كما كان لها ما قبلها، خاصة وأن الفلسطينيين قد تجاوزوا حدودهم واعتبروا أنفسهم المسؤولين عن سياسة الدول الأخرى والتي تطبع علاقاتها مع إسرائيل.

وبالعودة إلى إشارة الأمير بندر حول موقف بعض القيادات الفلسطينية، وتسويفها في حل القضية، وعدم رغبتها الظاهرة والمبطنة في الوصول بها إلى نهاية مُرضية لكافة الأطراف المتصارعة، والسعي نحو تركها على هذه الحالة، لغاية أقل ما توصف بها أنها «رخيصة» و«تافهة»؛ وهي الاسترزاق والتكسّب منها على المستوى الشخصي، وابتزاز الدول العربية، وبخاصة الخليجية في سبيل تلقّي الدعم المستمر بدافع الواجب الديني والأخلاقي والإنساني لهذه القضية.

إن هذه الإشارة الصادقة والصادمة والمحزنة لها من الشواهد ما يعضدها ويسند رجحانها، فمنذ أن تشظّت المقاومة الفلسطينية بين طرفيها الأبرزين؛ «فتح» و«حماس» بتنا نشهد صراعًا بينهما وتباينًا في المواقف، ولم تعد القضية الفلسطينية وتحرير الأرض المحتلة هي الأجندة الأساسية، خاصة وأن «حماس» بجذورها المنتمية لحركة «الإخوان المسلمين» فتح الباب على مصرعيه أمام أجندة هذه الجماعة وتداخلات الآخرين في هذه القضية وإملاءاتهم بما يتناسب وأهواءهم وميولهم، وتمرير خطابهم وآيديولوجيتهم، بما زاد من الشقة بين أصحاب القضية، وصرف الجهود العربية والإسلامية نحو البحث عن الحد الأدنى من التوافق بين الفرقاء الفلسطينيين من أجل توحيد جهود المقاومة، والبحث عن حل للقضية الفلسطينية

ولم تأل المملكة العربية السعودية جهدًا في هذا الصدد، تكفي الإشارة فقط إلى اتفاق مكة المكرمة المنعقد تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، رحمه الله، في يوم 8 فبراير 2007، حين تواثق «فتح» و«حماس» عند أشرف بقعة، وفي أطهر البقاع، وتحت ظلال الكعبة المشرفة، على نبذ الخلاف، وتوحيد الجهود، والمضي نحو حل القضية الفلسطينية بما يحفظ حق الشعب في العيش بكرامة في وطنه المعترف به.. فمن كان يتوقّع أن ينقض الطرفان الفلسطينيان غزلهما بيديهما أنكاثًا، ولا تردعهما حرمة المكان، وشهود الميثاق عن النكوث والعودة إلا ما عهد عنهما من خلاف وتشرذم وخصام وقتل بعضهم بعضاً بغير ما سبب معروف، أو غاية تستوجب هذا التباين والتمايز، بما يعضّد أنّ هناك من بين هذه القيادات من يرغب في استمرارها بعد أن أصبحت «مصدر رزقه» و«متكسّب عيشه»، ولا عزاء للقضية وأهلها المكتوين بنارها..

إننا اليوم أكثر حاجة لفضح هذه القيادات، وعدم التستّر عليها، بعد أن بلغ بها التطاول والوقاحة حدّ التشكيك في مواقف المملكة وقياداتها وهي مواقف راسخة ومبدئية، ظلت تجهر بها المملكة في كل المحافل الدولية والأممية، وليس أدلّ على ذلك ما جاء في كلمة خادم الحرمين الشريفين؛ الملك سلمان بن عبدالعزيز، حفظه الله ورعاه، الأخيرة في اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة، حيث أكد الملك في كلمته دعم مبادرة الجامعة العربية لحل القضية الفلسطينية على أساس قيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية، في ظل حلّ الدولتين المُرتضى به عالميًا، ومن قبل القيادة الفلسطينية.. فرغم هذا الموقف العلني الواضح، والصوت الصادق الجهير لموقف المملكة وقيادتها من القضية الفلسطينية، يذهب المجدفون وأصحاب الغرض لتفتيش النوايا، وتقويل المملكة ما لم تقل ليصلوا إلى غاياتهم المشبوهة من تشويه المواقف الناصعة، وتلطيخ الثياب الناصعة، مسنودين في ذلك بأبواق إعلامية نعرفها جيدًا، وندرك مسعاها الموتور، وأجندتها البائسة.. ولكن هيهات. ولئن كان صمت المملكة في ما سبق حياء عن الخوض في التوافه، ورغبة في توحيد الكلمة بالإغضاء عن السواقط، فلقد آن الأوان ليعرف كلّ حجمه، ويُنشر غسيله، وتُفتح صفحته.. ولنا في «رأي بندر» غاية وأرب وانتظار!

كاتب سعودي

nyamanie@hotmail.com